غايتنا بلوغ الحكمة و الوصول الى المعرفة الحقيقية

الاثنين، 29 فبراير 2016

الكشف والشهود



إن ذات الحق ( المقدّسة عن الحصر والتقييد بالأمكنة والجهات والأحياز) يمكن لِحاظها بالإضافة والإشراق والتجلي وتتناسب درجته مع الوعاء الوجودي للممكن فكل ممكن كالإنسان ينال من تجلّي الذات المقدسة بقدر وعائه الوجودي ويُحرَم من التجلّي بقدر ضعفه وتصوّره وضيقه عن الإحاطة بهِ لبُعده عن منبع الوجود وهذا البعد لضعف الممكن ولمقارنته للأعدَام والقوى والمواد وليس البعد لبُخل الحق المقدس فأنه تعالى كريم وإن عظمته ونوره و رحمته وسعت كل شيء فهو سبحانه في العلو الأعلى من جهة كماله الأقصى وفي الدنو الأدنى من جهة سِعت رحمته ، فهو العالي في دنوه والداني في علوه ويشهد لهذا القرب والدنو والسعة والرحمة والإحاطة ما ورد :
عن النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) : (( لو دليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على الله. ((
الحجب النورية والظلمانيَة :
وتُنسب درجة وقدر إحاطته بنا إلى قدر ودرجة ملاحظتنا له , لأن إحاطته أغزر و أوفر وأشدُّ استغراقاً , فملاحظة الحق تعالى تكون على قدر ما يمكن للمُفاض عليه أن يُلاحظ المفيض (جلّت عظمته) وهذا يعني أن مشاهدته تعالى غير ممكن لأي شيء ممكن وذلك لوجود الحجب وهي :
1-  أن الحق محتجب لكمال نوريّته وشدّة ظهوره و قوّة صفائه , فنُمنَع من المشاهدة كما مَنع شدة ظهور الشمس وقوة نورها أبصارنا عن اكتناهها والإحاطةِ بها لأن شدّة نورها حجبها .
2- إن الحق تعالى محتجبٌ عنّا لضعف ذواتنا المجردة النورانية.
3- إن الحق تعالى محتجبٌ عنّا لوجود الحجب الظلمانية للماهية والأعدَام والنقائض والآفات التي تعلّقنا بها.
والنتيجة : أننا يمكن أن نعرف الحق المطلق (جلت عظمته) و نشاهده لكن لا يمكن أن نحيط به علماً ولهذا يرجع معنى قوله تعالى { ..... ولا يحيطون به علماً , وعنّت الوجوه للحي القيوم......} سورة طه /110-111
حجاب التعين والإنيّة :
يحصل الكشف والشهود بترك الإلتفات إلى الذات الممكنة ومتعلقاتها الطبيعية والدنيوية ,والإقبال بكليّة الذات إلى الحق تعالى , ومهما وصل الإقبال والتوجّه إلى درجات عالية وقصوى وحصل الكشف والشهود فإن حجاب التعيين والوجود والإنيّة للممكن كالإنسان يبقى ثابتاً , وبعبارة أخرى أنه مهما حصلت من مجاهدات وتجردات عن الذات فلا يمكن الوصول الى إلغاء هذا الحجاب حقيقةً بحيث يكون الشهود تامّاً , نعم يمكن أن يرتفع حجاب التعيين والإنية عن نظر الإنسان المشاهد فقط وليس حقيقة , وعلى هذا المعنى يمكن أن يوجه معنى البيت المقتطع من المناجاة المنسوبة للحلاج , فيُقال أن الحلاج يدعو الله تعالى للرفع الظاهري عن النظر لحجاب التعيين والإنية لذات الحلاج .
الخطوة الاولى :
والوصول إلى الكشف والمشاهدة لابد من ذكر الله تعالى ومن الأسباب الرئيسية والأساسية في زيادة الذكر ورسوخه هو ذكر الله تعالى عند الطاعة والمعصية ويكون الذكر سبباً لفعل الطاعة وترك المعصية وهكذا نكرر ونداوم إلى أن يستولي المذكور وهو الله تعالى على القلب ويتجلّى ويظهر وينكشف في القلب ، فالذاكر في هذه المرحلة من التجلي يحب الله تعالى حباً شديداً ويغفل عن جميع ما سواه حتى عنه نفسه .
والواصل إلى هذا المقام لا يرى في الوجود إلا الحق تعالى , ويمكن أن يرجع إلى هذا المعنى القول بوحدة الوجود , أي أن الموجود في نظر الفاني هو الحق تعالى لا غيره لأنه تجاوز عن عالم الكثرة وجعله وراء ظهره وغفل عنه .
وقد أشار الشارع المقدس إلى أن ذكر الله تعالى هو الأصل والأساس في عدة موارد منها :
قوله تعالى {ادعو ربكم تضرعا خيفة انه لا يحب المعتدين} سورة الاعراف / اية 55
قوله تعالى {يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ۞ وسبحوه بكرة واصيلا} سورة الاحزاب /41-42
قوله تعالى {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} سورة الاعراف /اية 204
قوله تعالى {... فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ....} سورة النساء /اية 103
وقد فسر الامام الصادق (عليه السلام) حقيقة الذكر الذي فرضه الله تعالى على خلقه كما ورد عنه (عليه السلام) : { من اشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا , ثم قال عليه السلام : لا اعني ( سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر) وان كانت منه لكن ذكر الله عندما احل وحرم ,فإن كان طاعة عمل بها , وان كان معصية تركها}.
اللهم اجعلنا من الذاكرين العرافين
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

السبت، 27 فبراير 2016

العلم و الإدراك



1                                   العلم والإدراك
يمكن تقسيم العلم إلى البسيط والمركب :
1-  العلم البسيط : إدراك الشيء مع الذهول والغفلة عن ذلك الإدراك ومع الذهول والغفلة عن التصديق .
2-   العلم المركب : إدراك شيء مع الشعور بهذا الإدراك و الشعور والإلتفات بأن المُدَرَك هو ذلك الشيء .
العلم بالحق تعالى وادراكه :
بناءً على ما تقدم من قسمة العلم فأن العلم بالحق تعالى وإدراكه يمكن قسمته الى قسمين 
الأول : الإدراك البسيط للحق (جلّت قدرته) وهو الإدراك للحق مع الذهول والغفلة عن ذلك الإدراك وعن التصديق بأن المُدَرَك هو الحق , وهذا الإدراك يحصل لكل أحدٍ في أصل فطرته .
إن وجود كل شيء هو عبارة عن حقيقة هويته المرتبطة بالحق العليم , فإن الهويات الوجودية من مراتب تجليات ذاته ولمعات جماله وجلاله .
ويتفرع عن ذلك , إن الحكم على الأشياء بالموجودية يتعلق بهوياتها العينية من حيث كونها متعلقة ومرتبطة بالوجود الإلهي , ولا يخفى أن الحكم يحتاج إلى تصوّر وإدراك الموضوع بنفسه أو بوجهه .
ويتفرع عن ذلك أيضاً , أن كل من أدرك شيئاً من الأشياء بأي إدراكٍ كان فقد أدرك الباري وإن غفل عن هذا الإدراك .
وينتج عن ذلك إمكانية إرادة هذا المعنى من قوله تعالى {{ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله .... }} سورة البقرة /اية 115
 لا يخفى على الجميع أن هذا الإدراك البسيط لا يستلزم إدراك الحق بكنه ذاته ومنتهاها وحقيقتها لامتناعه .
الثاني : الإدراك المركّب للحق ( جلّت قدرته) وهو إدراك الحق تعالى مع الإلتفات والشعور بهذا الإدراك وأن المُدَرَك هو الحق تعالى والتصديق بذلك وهو على وجهين :
الوجه الأول : الإدراك بالعلم الإستدلالي وهذا الإدراك يحصل لدى العقلاء والمتفكرين بصفاته تعالى وآثاره , وهو المُناط بالرسالة والتكليف .
الوجه الثاني : الإدراك بالكشف والشهود , وهذا خاص بالأولياء والعرفاء.

أقسام المفاهيم



                                        تنقسم المفاهيم إلى ثلاث أقسام

1- مفاهيم منطقية : وهي مفاهيم لا وجود لها إلا في الذهن , ولا يمكن أن يكون لها تحقق خارج الذهن و ذلك من قبيل الكليّة والذاتية والعرضية ، مثل الإنسان نوع ، تكون النوعية موجودة في الذهن ولايوجد في الخارج أي الأفراد الشخصية التي تكون محاكية لمفهوم النوع ,وفي مثل (الكلي ) إما ذاتي وإما عرضي ولا يكون للذاتية أو العرضية وجود في الخارج بل إن الذهن يقوم بتحليل الماهية إلى أجزاء ذاتية وأخرى عرضية .
2- مفاهيم ماهوية : وهي من قبيل مفهوم الإنسان ، ومعنى كون الإنسان مفهوم ماهوياً هو أن هذا المفهوم يُنتزع من حدود الوجودات الخارجية فإن ما هو متحقق في الخارج بناءً على أصالة الوجود أي ( الأصل إلى الوجود واعتبار الماهية ) هو الوجود لا غير ، وهذه الوجودات متناهية إذ لا يوجد في دار التحقق لا متناهي إلا الله سبحانه وتعالى وكل ما عداه فهو متناهٍ ، والمتناهي هو ما له حد ومن هذا الحد ينتزع العقل مفهوماً ما ويتصوره ، كما أن المفهوم المنطقي لا يمكن أن يوجد في الخارج ، كذلك الوجود لا يمكن أن يوجد في الذهن بل حقيقته في الخارح : ولا يمكن التعرف على الموجوادت الخارجية إلا من خلال حدودها وهذه الحدود يُعبِّر الذهن عنها بالماهيات ، وبقوالب الوجود كالمثلث والمربع .
3- مفاهيم فلسفية : وهي برزخ بين المفاهيم المنطقية و الماهوية ولذلك يُعبَّر عن هذا النوع في الاصطلاح بأنّه ما كان اتصافه في الخارج ولكن عروضه في الذهن وذلك من قبيل الإمكان والوجود والعلة والمعلول والوحدة والكثرة ، وهذه المفاهيم لا تحكي عن حد الوجود وماهيته وإنما تُفصح عن كيفية الوجود فحسب ، ومثاله مفهوم العلة الذي هو مفهوم فلسفي يبين كيفية تأثير وجود النار مثلا في إيجاد الحرارة ، فالعلية سنخٌ مفهوم يبين كيفية الوجود ولا علاقة له بأن هذا الوجود له حد أم لا أو له ماهية أم لا .

الإدراكات تنقسم من وجهة نظر الفيلسوف ثلاث

              
1- الحقائق :وهي تلك المفاهيم التي لها مصاديق واقعية في الخارج .
2- الاعتبارات : وهي المفاهيم التي ليس لها مصداق واقعي في الخارج ولكن العقل يعتبر لها مصداقاً .
3- الوهميات : وهي الإدراكات التي لا مصداق لها اطلاقاً في الخارج وهي باطلة من أساسها مثل تصوّر الغول والعنقاء وأمثالها .